نظرية "كيس الفئران"

ثلاثاء, 2018-06-05 21:07

يحكى أن مهندسا زراعيا مصريا كان يعمل في إحدى قرى الصعيد أراد الذهاب إلى أهله في القاهرة فاستقل القطار وجلس بجانب فلاح مسن يضع بين رجليه كيسا كبيرا (خنشة) من القطن، كان يخرجه كل نصف ساعة ويقوم بتحريكه بعنف ثم يعيده بين قدميه ويستلقي على الكرسي لأخذ إغفاءة، واستمر الأمر على هذا النحو على مدى ساعات الرحلة الثمانية!
استغرب الرجل من صنيع جاره فسأله وهما يهمان بالنزول من القطار عن السر وراء تحريكه وتقليبه للكيس بشكل منتظم طوال الرحلة فأجابه القروي قائلا: أنا يا بني فلاح خبير باصطياد الفئران، مهنتي جمعها وبيعها للمركز القومي للبحوث بالقاهرة لعمل التجارب عليها، وقد علمتني التجارب أن الفئران لو تُركت لأكثر من نصف ساعة دون تحريك سترتاح وتحصل ألفة بينها فيستأنس بعضها ببعض ويبدأ كل فأر بقضم الجزء الذي يليه من الكيس فيهربوا وتحصل المصيبة، لذلك أقوم بتحريك الكيس كل نصف ساعة وعندها يصابون بهياج شديد فيبدأ العراك بينها، كل فأر يظن أن جاره يريد به سوء فيهم بالدفاع عن نفسه ويتناسى الجميع الكيس إلى أن تخور القوى، فتكون مدة المعركة هذه فترة راحة لي، وهكذا إلى أن أصل وجهتي..
العبرة المستخلصة من هذه الحكاية هي أنه ما إن تبدأ شعوبنا بالتقاط أنفاسها لترتاح ولو لساعات، و تحاول إرساء مشروعات الوفاق الداخلي، وبناء المنظومات الخدمية في بيئة الاستقرار، حتى يبدأ "تحريك الكيس" بأيادي داخلية أو خارجية أوبهما معا، ويبدأ ضرب الجماعات والتيارات ببعضها البعض، وتدفع عجلة الفتن بواسطة الدعايات الإعلامية المغرضة، لنعود من جديد للتحارب والتقارع كل واحد منا يعتبر الآخر البادئ الأظلم وننسى أننا في "كيس واحد"، وأن خطر الفناء يتهددنا سوياً إن لم نفهم اللعبة ونخرق الكيس قبل أن تكسب مراكز الدراسات فئران تجارب جديدة وبمسميات جديدة...