إعلام الحرب العالمية ll الكاتب : علي حمدي

جمعة, 2015-03-13 04:33

كلما حاولنا الخروج عدنا أدراجنا غير قادرين على التحرك قيد أنملة. وكلما جاهدنا من أجل الهروب وجدنا أنفسنا نركض عائدين من دون تفكير. نسافر خارج الوطن لبضعة أيام فما هي إلا ساعات حتى تنتابنا مشاعر مختلفة وتتمكن منا أولويات مغايرة.نجلس أمام الشاشات هناك، فنجد أنفسنا منجذبين إلى برنامج طهو ومتابعين لفقرة بيئة ومنشغلين بنشرات أخبار رشيقة قصيرة بين الحين والآخر. وبعد جلسة تلفزيونية تجد نفسك وقد عدت أقرب ما تكون إلى ابن آدم وحواء ذي مقاييس دولية تتوازن فيها المعلومة والترفيه واللحن الموسيقي. تنهي جلستك التلفزيونية خارج حدود الوطن وأنت مغلف بهالة موسيقية ومعضد بمعلومات خبرية ومرفه بمقدار من القضايا البيئية والنكهات الغذائية والمكملات الثقافية. لكن السعادة في القرن الحادي والعشرين عمرها قصير، والمواطن الشرق الأوسطي عمره مقصوف، إن لم يكن قصفاً عسكرياً، فيكون «داعشياً» أو تكفيرياً أو تلفزيونياً. فمهما طالت الإقامة، ومهما استراحت الحواس فإن العودة إلى الشاشات المشحونة والفضائيات الملتهبة والبرامج المتفجرة والفقرات المفخخة لا تلبث أن تعيده إلى سابق عهده حيث خليط من التوتر والقلق والخوف والكبت والرعب والشعور المستمر بأن الخطر الداهم آتٍ، إن لم يكن من الباب، فعبر النافذة.
تتخذ قرارك بالتوجه بعيداً من المجموعة الملغومة حيث القنوات الإخبارية تليها حزمة الـ «توك شو» والحوارات. لكن ما أن تدق على الريموت حتى تطالعك الشاشة التي تركها من سبقك من الأسرة. تكون على الأغلب إما برنامجاً يستضيف خبيراً عسكرياً يستعرض تفاصيل فيديو «داعش»، أو محللاً استراتيجياً يشرح التحركات العسكرية المتوقعة والحلول السياسية المعطلة. وإن نجوت من هذا وذاك فستجد نفسك على الأرجح في مواجهة مباشرة مع تقرير خبري ينقل رايات التوحيد المرفرفة على الحدود الشرقية وتلك الملوحة على الحدود الغربية، أو أخبار القنابل المزروعة من أقصى الشمال إلى آخر الجنوب. فإن أنقذتك السماء من الأخبار السابقة وجدت نفسك أمام ردود فعل غربية وتصب جميعها في مسار تعضيد «داعش».
تهرب من هذا وذاك لاجئاً إلى القنوات التي كنت تلجأ إليها في زمن ما قبل الربيع الجميل باحثاً عن معلومة أو ساعياً خلف حقيقة، فإذ بها تكشف وجهاً قبيحاً ومحتوى تحول إلى سلاح معلوماتي مغلوط في أيادي المتربصين. وقبل أن تصل إلى غايتك المنشودة تكون قد استسلمت للنوم هارباً من موبقات الواقع. تستيقظ صباح اليوم التالي وفكرة واحدة مسيطرة عليك. كيف كان حال العالم إبان الحربين العالميتين الأولى والثانية؟ أو بالأحرى كيف كانت شعوب العالم تعيش إبان الحربين؟ تعرف أن الشعوب كانت في نعمة. فبروباغندا الإعلام كانت تعني معرفة الشعوب لما تود حكوماتها لها أن تعرفه فقط. وعلى رغم أن ما حصلت عليه الشعوب حينذاك احتوى كماً غير قليل من الأكاذيب، إلا أنها لم تغرق في قلق قاتل على مدار الساعة قبل أن تلقى حتفها. إنه إعلام الحرب العالمية الثالثة المستهدف للشعوب.