![](https://alaviya.info/sites/default/files/ahmed%20daddah%201.jpg)
أجرى موقع السفير مقابلة مهمة مع السيد أحمد ولد داداه زعيم المعارضة الديمقراطية ورئيس تكتل القوى الديمقراطية جاء فيها:
مواصلة من السفير في محاولتها لتحريك الساحة السياسية الوطنية دفعا لجهود الحوار الوطني الذي يحتاجه البلد اليوم أكثر من أي وقت مضى تستضيف الجريدة اليوم ضمن المقابلة التالية الاستاذ أحمد ولد داداه رئيس حزب تكتل القوى الديمقراطية..
وتناولت المقابلة مختلف القضايا المطروحة مثل حادثة لمغيطي, أسبابها وتداعياتها, وجديد ملف الاسلاميين, وأفق الحوار بين الفرقاء السياسيين والوضعية الاقتصادية التي تعيشها البلاد.
السفير: ذكرتم في خطابكم الأخير بمناسبة الأيام السياسية والثقافية للتكتل أن المسار الديمقراطي في حالة توفق منذ انطلاقه سنة2001 ألا ترون أن في هذا نوعا من المزايدة السياسية؟
أحمد ولد داداه: في الحقيقة ما قلته تشهد عليه التجربة؛ خاصة تجربتي الشخصية، وتجربة تكتل القوى الديمقراطية، فأنا تقريبا أمارس السياسة (الجديدة) منذ 28 نوفمبر1991 وحتى هذا اليوم لم تتح فرصة يوما واحدا للحوار مع رئيس الدولة؛ ولم تتح فرصة -ولو يوما واحدا- لحوار مجدٍ هادف بين حزب التكتل والحكومة، دعني من استدعاء لمشاهدة كذا وكذا، أو للاستماع إلى بيان من وزير الداخلية، أو من الوزير الأول.. أعني حوارا حول المشكلات والعقبات التي تعوق المسار الديمقراطي وتعاني منها القوى السياسية.. وفي نظرها -أو في نظر بعضها- يعاني منها البلد، ويعاني منها المواطن.. نحن إما أن نكون بلدا خارقا للعادة لا توجد لديه مشكلات، ولا توجد فيه قضية تحتاج إلى تبادل وجهات النظر؛ وحبذا لو كان الأمر كذلك.. إلا أننا عمليا -وبصورة موضوعية- نعاني كثيرا من المشكلات؛ منها عدم وجود مكانة لائقة للأحزاب، وعدم تطبيق القانون؛ بدءا من الدستور، مرورا بالقوانين الأخرى؛ سواء أتعلق الأمر بنشاطات الأحزاب السياسية، أو تعلق بالاعتراف بالأحزاب السياسية.. إنشائها وتكوينها؛ أو تعلق الأمر بالمؤسسات المدنية، أو تعلق الأمر بحل الأحزاب، أو بالشفافية في الانتخابات.. كلها أمور مشحونة بالمشكلات.. وبمطالب المعارضة منذ 92 ناهيك عن المبادرة السياسية التي أطلقها في شهر أغسطس 93 اتحاد القوى الديمقراطية - عهد جديد.
كل هذه الأمور لم تحظ بأي رد من قبل السلطات؛ وبالتالي لم تحدث مبادرة من قبل النظام.. ومن ثم فما أعلنته -وما أعلمه ويعرفه الجميع- ليس كلاما؛ وإنما هو حقائق وتجارب ومعاناة ما تزال قائمة.
السفير: إذا عدنا إلى عملية "لمغيطي" بعد انتهاء ردود الفعل الأولية وتنديد الجميع بها، هل نضجت لديكم قراءة لهذه الحادثة.. لأسبابها وتداعياتها؟
أحمد ولد داداه: أولا أؤكد ما قلته مرارا وتكرارا؛ وهو أننا نعتبر أنه مهما كانت الظروف ومهما كانت الأسباب -وقد تكون الأسباب كثيرة- نحن لم نقبل -ولن نقبل- أن يعتدى على وحدة من الجيش الوطني وتدمر؛ مهما كانت الظروف، وتحت أية ذريعة.. نحن نعتبر هذا فعلا خطيرا، ودوسا للبلد، ولكرامته، واستقراره.. وبالتالي فنحن شجبنا ونددنا -بكل ما أوتينا من قوة- بهذه العملية ومازال هذا موقفنا. أما كل ما كتب وقيل سواء من فرنسا في الوكالة الفرنسية للصحافة أو في صحيفة "لبيراسيون" أو ما كتب في الجزائر؛ وبالخصوص ما أعلنه بعض الضباط السامين، وما كتب في جريدة "صباح وهران".. كل هذا قرأناه، ومازلنا نتتبع المعلومات، وفي وقت ما ستكتمل هذه المعلومات، ويحق -في وقتها- أن يقيم الأمر من أجل معرفة الأسباب، ومعرفة المسؤولين الأساسيين لهذه العملية الخطيرة الإجرامية.
السفير: إذا تجاوزنا إلى موضوع المعتقلين الإسلاميين.. ما تعليقكم على ما قدمه وزير الداخلية من وثائق قال إنها تتحدث عن إنشاء الجماعة الموريتانية للدعوة والقتال، وذكر من بين زعمائها ولد الددو وآخرين؟
أحمد: هذا يذكرني بحكاية الدب الذي قيل إنه أصبح ذات يوم جائعا والتفت إلى أمه قائلا:"أمي إن عينيك أصبحتا تشبهان عيني النعجة" وأكلها.
حقيقة لا يجور تقديم شيء من هذا القبيل للرأي العام الموريتاني؛ نحن مجتمع صغير، وكلنا يعرف الآخر، ويعرف.. حتى ما يأكله الآخر وما يشربه، ويعرف تصوره وحديثه وتكوينه؛ فلا ينبغي اللعب على عقول الناس، ولا ينبغي أن يقول هذا وزير داخلية، ولا ينبغي أن يتصور استيعابه من طرف العقل الموريتاني؛ النبيه الواعي والمحنك، وأرجو أن ننتهي عن هذا النوع من القضايا، وأن يجد العلماء الأجلاء الوقار الذي يستحقونه، والمكانة المناسبة، وأن يكونوا سفراء لإشعاع البلد وشهرته؛ فهذا من صالح الجميع، وفيه خير الجميع.. ونرجو أن تعود كل جهة إلى صوابها وأن تتقيد بديننا الحنيف وقيمنا وتقاليدنا النبيلة، وأن يخلى سبيل الجماعة، ويقدم لها الاعتذار المناسب، وللشعب الموريتاني؛ وكما قيل فالخطأ ليس في الخطأ وإنما في التمادي في الخطأ.
السفير: لديكم علاقة بالحركة الإسلامية في موريتانيا خاصة أنها كانت منضوية تحت لواء حزبكم هل ترون أن من بين قادة هذه الحركة من يحمل أفكارا متطرفة أو يرفض الديمقراطية؟
أحمد: لا اعرف التطرف في هذه الحركة، شاء الله أنه في وقت ما.. وفي ظروف معينة.. حصل ذلك التقارب؛ وكانت عناصر من الجماعة -وليس كلها- عناصر مشهورة، من بينها -على سبيل المثال- الأخ جميل منصور، وآخرون كانوا في اتحاد القوى الديمقراطية -عهد جديد، ولأسباب هم أسيادها -أيضا- خرجوا من الحزب، ولكن لم أعرف منهم التطرف؛ ولا اعتقد أنه من بينهم متطرفين. وهذا ما أقوله بكل أمانة؛ وبكل صدق؛ {وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين} ولو عرفت غير ذلك لما قلت ما أقوله الآن. وأعتقد أن التطرف اليوم هو من الحكومة، فممارسات الحكومة ممارسات متطرفة، وشاذة؛ وأخشى ما أخشاه هو التمادي في هذه التصرفات لأنه يخشى أن تقود للتطرف من قبل الآخرين؛ وهذا خطير ولا ينبغي أن يكون هدفا.. فكل المواطنين المخلصين المحبين للوطن -وحب الوطن من الإيمان- يرجون الاستقرار والسلم والعافية للجميع، وهذا يتطلب من الحكومة -المسؤولة عن الاستقرار وسلامة المواطن- أن تلتزم بالقيم والقوانين، وأن تكف عن ممارساتها الراهنة؛ فليس فيها خير البلد؛ ولا استقرار، ولا الوئام الوطني؛ الذي نحتاجه اليوم أكثر من أي وقت مضى.
السفير: الحكومة تتهم الإسلاميين باستغلال الدين للسياسة .. ما رؤيتكم أنتم لعلاقة الدين بالسياسة؟
أحمد: أولا أؤكد أن ديننا الحنيف هو دين جميع الموريتانيين، وأن هذا الإسلام -الذي هو الدين عند الله- {إن الدين عند الله الإسلام} هو العنصر الأساسي لوحدة هذا البلد؛ هذا ينبغي أن لا ننساه، وأن لا ينساه أي سياسي، أو مفكر في هذا البلد؛ لأنه نقطة اللقاء الأساسية في هذا البلد؛ والدين الإسلامي مرتبط بالسياسة.. والدين فعلا ليس احتكارا لجهة معينة؛ ولكن ليس من حق أي أحد أن يمنع العلماء من أن يرشدوا، وأن ينتقدوا ما يرونه مجالا للانتقاد.. من عدم تطبيق الدين، ومن الأخلاق التي لا تتماشى والتعاليم المقدسة لديننا الحنيف.. وقد يكون من واجبهم أن يقولوا كلمة الحق؛ وأن يعلموا الناس.. وهذا شيء مسلم به ولا أرى فيه إلا خيرا.
السفير: أين وصل الحوار بين الأطراف السياسية؛ هل هناك محاولات في الكواليس لتحريك هذا الحوار؟
أحمد: أنا -كما تعلم- كنت في سفر إلى لقاء مهم بين الأحزاب الإفريقية والإعلام والمؤسسات المدنية الإفريقية، وقد عقد هذا اللقاء في العاصمة البنينية "كوتونو" وحضرته 250 شخصية تقريبا؛ إذن كنت مشغولا بهذا المؤتمر.. إلا أنه -حسب علمي- هناك لجان عينت من قبل لجنة متابعة المنتدى؛ عاكفة على تبادل وجهات النظر، وما نضج من نتائجها قد يعرض على لجنة المتابعة يوم 11 من هذا الشهر.
وطبعا نحن شاركنا في هذا المنتدى انطلاقا من موقفنا التقليدي المتمثل في مد اليد في كل ما من شأنه أن يخرج البلد من هذه الورطة، وسنقيّم -في الوقت المناسب- ما يجري، ونقتبس ما يمكن اقتباسه منه.
السفير: لوحظ في المسيرة الأخيرة التي قامت بها المعارضة أن وسائل الإعلام الرسمية غطت هذه المسيرة بصفة لافتة.. ما تقييمكم لذلك؛ وهل ترون فيه إشارة لبداية فك الحصار الإعلامي عن المعارضة؟
أحمد: لا حظنا -بارتياح- أن الخطاب الذي ألقي باسم أحزاب المعارضة في المسيرة بث كاملا في وسائل الإعلام الرسمية، وهذا لا شك أنه إيجابي؛ ولكننا لاحظنا -أسبوعا بعد ذلك- أن التظاهرة التي نظمها شباب التكتل عتم عليها 100% ولم تنشر -ولم تقل- عنها كلمة واحدة، وهي التظاهرة التي حضرها ما يزيد على 2000 نسمة، والكثير من الشخصيات، ووسائل الإعلام المستقلة.. فكان على الإعلام الرسمي أن يغطيها؛ إذن نحن بين هذا وذاك.. ونتحسس الخبر.
السفير: يرى البعض أن المعارضة لم تعد قادرة على تحريك الرأي العام من أجل الضغط لتلبية مطالبها وتمرير مواقفها، وأن ما حدث في مسيرة التنديد بحادثة "لمغيطي" راجع لطبيعة الحادثة؛ وحتى أن النظام سعى لأن تظهر المسيرة بذلك الحجم لأنه يعتبرها في صالحه؟
أحمد: هذا النظام غريب؛ فهو -من جهة- يمنع الكثير من التظاهرات ويعتم على نشاطات المعارضة؛ باستثناء ما ذكرنا قبل قليل؛ ويمنع الشفافية في الانتخابات، فلا يمكن أن يصدق إلا أن هناك شيئا يخشاه النظام؛ بهذه الممارسات، وهذه العراقيل المتكررة، ومنع الشفافية، والتزوير الفاحش.. ما هو هذا الشيء؛ هل هو قوة المعارضة أم ضعفه هو، أم عدم ثقته في حججه، أم عدم معرفته بموقف الرأي العام منه ومن تسييره، ومن مواقفه الداخلية والخارجية.. هناك أمر ما؛ فعند ما يقال إن المعارضة لم تعد قادرة على كذا وكذا.. فأنا أقول: إذن ما المانع من أن تكون هناك شفافية؛ في الانتخابات، وفي الإعلام، وفي التسيير.. ما دامت المعارضة ضعيفة؛ كما يتشدق النظام ويتبجح بقوته، حي على الانتخابات النزيهة.. حي على الشفافية في الإعلام.. حي على الحوار على الأثير..
إذن -مرة أخرى- لا ينبغي أن يضحك على عقول الناس، ولا ينبغي أن يتصور أن الرأي العام الموريتاني -وأن المواطن الموريتاني- بليد وهمجي؛ هذا لا ينبغي وليس حقيقة.. الكل يعرف أنه ليس حقيقة..
السفير: هناك هشاشة في التنسيق بين أحزاب المعارضة تبرز بين الفنية الأخرى .. على سبيل المثال برزت خلافات إبان المسيرة الأخيرة، وهناك ثلاثة أحزاب تغيبت عن المنتدى؛ ولكل سببه الخاص به.. لماذا لا تحاول المعارضة تحييد خلافاتها الثنائية حتى تستطيع الضغط من أجل تلبية مطالبها؟
أحمد: أنا لا أنكر وجود خلافات بين أحزاب المعارضة؛ لا أنكر هذا فهذا حقيقة.. هناك خلافات طبيعية؛ في المشاريع، وفي الأهداف أحيانا.. منها ما هو شخصي، وما هو على الزعامة.. وهي -في الحقيقة- تافهة إذا ما نظرنا إلى المشكلات والتحديات التي تواجهها موريتانيا. وبالرغم من هذا كله، هناك جهود دؤوبة للإبقاء على حد أدنى من التعاون والتنسيق بين أحزاب المعارضة؛ هذه قناعتنا.. إلا أن هذا لا ينبغي أن يكون ذريعة لتهميش المعارضة الذي يعمل النظام على تكريسه؛ مرة أخرى أرجع وأقول إن النظام إذا كان يعتبر أن عدم توحيد المعارضة يضعفها فلماذا -إذن- يخشى أن تكون هناك شفافية؛ في الانتخابات، في الإعلام، وفي الحوار..
إذن لا أنكر أن المعارضة حتى الآن عجزت أن تصل إلى المستوى المرتقب من قبل الرأي العام؛ فيما يخص توحيدها وعملها المشترك.. وبالرغم من هذا فالنظام -هو الآخر- في صفوفه الكثير من الفتن؛ وإن كان المظهر مظهر وحدة؛ إلا أن هناك غليانا وتمردا معتما عليه في صفوف النظام؛ سواء أنظرنا إلى الناحية العسكرية أو السياسية، فهو الآخر يعاني من نفس المشكلات؛ وعلى كل حال يبدو أنه لم يصدق ضعف المعارضةات؛ لأنه مازال على دربه في التعتيم والتزوير وتهميش المعارضة.
فقناعتي أن النظام يعتبر المعارضة مازالت قوية؛ وهذا ما يستنبط من تصرفاته..
السفير: هناك انتخابات نيابية وبلدية بعد حوالي سنة من الآن؛ هل ستشاركون في هذه الانتخابات -إذا ما سارت الأمور على ما هي عليه- اعتبارا للاستحقاقات الماضية؟
أحمد: هذا حقيقة قبل وقته؛ فالسؤال المطروح: هل النظام مستعد أن يفتح المسار الديمقراطي، وأن يحترم الدستور والقوانين المتعلقة به، وأن يعتبر الشعب الموريتاني حرا في تصرفاته، وسيد موقفه وتصرفه.. هذا هو السؤال الأساسي؛ والجواب عليه ليس بالكلام فحسب.. ولكن بإجراء ملموس ومبادرات جديدة؛ هذه هي النقطة الأساسية، وانطلاقا منها يمكن تقييم المستقبل إيجابيا أو سلبيا.
السفير: كانت هناك مطالب؛ من قبيل: لجنة مستقلة للانتخابات، مراقبين مستقلين كذلك.. هل مازالت مطروحة ؟
أحمد: أجل؛ الأساسي -أولا- أن يكون هناك قانون جامع للقوانين المتبعثرة حول الانتخابات، وعليه إجماع من جميع الفرقاء السياسيين، يتعلق بالانتخابات.. بدءا بتصحيح اللوائح حتى فرز النتائج وإعلانها.. وفي إطار هذا القانون فمن المهم لدينا أن تكون هناك لجنة مستقلة معينة بتراضي الجميع، ومسؤولة عن عملية الانتخابات من ألفها إلى يائها. والمطلب الثاني أن يكون هناك إعلان من رئيس الدولة نفسه؛ وتعليمات معلنة من الرئيس نفسه للسلطات الجهوية والأمنية.. من أحل احترام القانون، واحترام ضمير المواطنين.
وثالثا: الكف عن استعمال وسائل الدولة المادية والبشرية لصالح الحزب الحاكم، والتكافؤ السليم -والمنصف- بين جميع الفرقاء السياسيين في الوسائل المتاحة. رابعا: وضع وسائل الإعلام العمومية في متناول الجميع. هذا من بين القضايا الأساسية التي عليها إجماع المعارضة وإجماع الإفريقيين، ففي الاجتماع الذي ذكرت لكم أجمع المؤتمر على هذه القضايا.
السفير: بعد مسيرة نضالية طويلة حافلة بالعوائق؛ من مساءلات، واعتقالات، وحتى محاكمات.. وبعد وصفكم -أكثر من مرة- للمسار الديمقراطي بأنه مسدود.. هل تفكرون باعتزال السياسية؟
أحمد: أبدا؛ "الحر فيما مشى" و"حب الوطن من الإيمان" كما قلت لكم وتعرفون؛ والحقيقة أن الهدف هو توعية المواطن وأخذ المبادرة؛ وليس المهم أن تكون النتيجة الآن.. قد تكون الآن، وقد تكون غدا، أو بعد غد.. ولكن مسؤولية كل مواطن وكل سياسي هي أن يبذل كل ما في وسعه من جهود ومبادرات؛ بكل صدق وكل صرامة، من أجل تحريك الموقف ودفع المسار، كما يجب تحاشي كل ما من شأنه الدفع بالبلد إلى الهاوية أو إلى الحروب الأهلية لا قدر الله، أو غيرها من الانزلاقات.
هذا طبعا مسار صعب محفوف بالمشكلات والمتاعب، ولكن أرى شخصيا أنه الصراط المستقيم، وسأبقى -ما دمت على قيد الحياة ومادمت قادرا على التصرف- في هذا الاتجاه وهذا التوجه، وأرجو أن يكون الأمر في صالح هذا البلد، وأرجو أن أكون على بصيرة من أمري، ومن الله التوفيق.
السفير: هل ترون أن الحكم على الضابط الموريتاني على ولد الداه غيابيا في فرنسا بداية ضغوط خارجية -خاصة من فرنسا- على النظام الموريتاني؟
أحمد: كل ما أعرفه هو أنه لو أنصف الدهر.. ولو أصغت السلطات إلى الآراء السديدة.. ولو كانت تحرص على وئام هذا البلد بقدر ما تحرص على بقائها في السلطة.. لما حدث ما حدث؛ لأنه -مثلما يقال- "كان ينبغي أن نغسل ثيابنا في بيوتنا" وأن نحاكم أنفسنا قبل أن يحاكما الآخرون، فالمسؤولية -أساسا- على النظام؛ لأنه لم يصغ لأحد، ولم يتصرف بإنصاف ولا بحكمة، لتحاشي تلطيخ البلد بهذه السمعة؛ ولذا فكل ما أريد أن أقوله أن المسؤولية الأساسية على النظام، وأن هناك أشياء كثيرة باقية في هذا الملف -ملف التجاوزات في حقوق الإنسان من 89 إلى 90- وأهيب بالنظام أن يطرح هذه الملفات -وملف حقوق الإنسان- على الشعب الموريتاني، لكي يجد الشعب؛ المنصف، المسلم، الخيّر، وقواه السياسية والمدنية.. حلولا منصفة، تحمي حقوق الجميع، وتحمي سمعة ومكانة هذا البلد بين الأمم والدول؛ هذا هو الرشيد، والذي ينبغي أن يؤخذ بعين الاعتبار.
السفير: الحكومة ترى أنها حققت انجازات مهمة على الصعيد الاقتصادي؛ مثل معدلات نمو مرتفعة، واستفادة البلاد من شطب الديون.. كيف تنظرون إلى هذه الانجازات؟
أحمد: ألاحظ -قبل كل شيء- وجود تناقض واضح -في رأيي- بين التبجح بالإنجازات، والنمو الاقتصادي.. والتبجح -في نفس الوقت- بوضع البلد في الدول الأكثر فقرا؛ هذان نقيضان، ولا يمكن الجمع بينهما.. إما أن نتائجنا كانت متواضعة جدا -إن لم تكن مفلسة- فوُضِعنا في قائمة الدول الأكثر فقرا وعجزا عن تسديد الديون؛ وإما أن نكون من الدول التي رتبت أمورها بصورة حكيمة؛ وسجلت -كما قيل- نتائج اقتصادية؛ ومعدلات نمو كبرى.. وبالتالي فلا مجال لنا في الدول الأكثر فقرا؛ وهنا يترك القول لصندوق النقد الدولي؛ الذي كانت تعتمد عليه الحكومة في أرقامها، وتعتمد عليه في نسب النمو، ونسب التضخم.. فها هو اليوم يعلن في تقرير رسمي نشره على موقعه الالكتروني أن موريتانيا أخفقت في جهودها الرامية أولا إلى التوازنات الكبرى الاقتصادية بالنسبة للتضخم الذي أعلن أنه 16% بدل 4% وأنا أخشى أن يكون أكثر بكثير من 16% وكنت أقول سابقا -في الوقت الذي كان صندوق النقد الدولي يقول أنه 4%- إن هذا لا يتماشى مع الواقع، ومازلت أقولها. ثانيا أن العجز المالي تجاوز 50% من الإنتاج الإجمالي، وأصبح يزيد على 220 مليار أوقية؛ حسب الأرقام التي يجب أن تؤخذ بحذر؛ ولكنها تعطي توجهات عامة. وأعلن أيضا في هذا التقرير أن السيولة -بمفهومها العام- ليس الأوراق النقدية فحسب؛ تضاعفت أكثر من ثلاث مرات في 18 شهرا؛ وهذا إفلاس واضح. وقيل في التقرير أيضا إن عجز ميزانية الحسابات الجارية بلغ 16% من الإنتاج الإجمالي؛ كما قيل في هذا التقرير إن الاحتياطات من العمات الصعبة أصبحت -نتيجة لهذه التجاوزات- ضعيفة جدا؛ وهذا -بكلمة واحدة- يدل على إفلاس اقتصادي ومالي؛ وبالتالي أرى أن السياسة الحكومية أخفقت، كما أحمل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي مسؤولية كبرى في هذا الإفلاس؛ لأنهما بمثابة أطباء الاقتصاد ولم ينتبها في الوقت المناسب، إما لأنهما كانا عاجزين؛ وهذا يوحي بأنهما ليسا مؤهلين في الإصلاحات الهيكلية التي لها انعكاسات اجتماعية سلبية.. وإما كانا متواطئين مع سوء التسيير والرشوة وكل ما حدث. وأيا كان الأمر -وبكلمة واحدة- فهذه البرامج وهذه السياسات أخفقت، وأصبحنا في نقطة الصفر، كما أن هناك طلبا لتفتيش البنك المركزي ما بين سنة 2000 و2004 (خمس سنوات) وأنا شخصيا أرى أن هذه النقطة تمثل إهانة للسيادة الموريتانية، ولقدرتنا على التسيير؛ فالبنك المركزي كان ينبغي أن يبقى -كما كان- مرجعية لصدقية الأرقام والتسيير النزيه؛ لأنه المسؤول عن العملة الوطنية.. والتي يبغي أن تبقى خارج المشكلات الظرفية وسياسات اللف والدوران؛ لكي تبقى قوية وللجميع.. ويمكن الاعتماد عليها
السفير: ذكرتم في مقابلة ماضية مع الجريدة أن حزبكم سيعقد مؤتمره العام في صيف هذا العام.. هل تبلور موعد محدد لانعقاد هذا المؤتمر؟
أحمد: التوجه الآن هو أن يعقد المؤتمر قبل نهاية السنة؛ لأننا نريد تحضيره جيدا؛ ليكون -إن شاء الله- ناجحا، وتتضح فيه رؤية الحزب وخطواته القادمة، وهذا يتطلب وقتا أكثر مما كنا تصوره.