![](https://alaviya.info/sites/default/files/11665396_778096395653712_8299014767648455339_n.jpg)
الديمووقراطية هي تكريس سيادة الشعب (غير المنتمي دينيا) وحين يكون الشعب منتميا وجدانا وثقافة لدين معين واختار بمحض إرادته نظاما مستوحى من جوهر الدين لا تكون ديموقراطية والشعب سيادته منقوصة. كل الناس سواسية (ما تنازلو عن بعض حقهم العام المنبثق من خصوصيتهم) والامم كذلك فبعضها ليس راشدا ولا يعتبر ذلك وصاية ولا نرجسية امتلاك للحقيقة بل نشرا تنويريا لقيم عالمية (في نطاق اختلاف أصلي ينبغي صهره). يوجد مستبد مستنير إذا طبق العلمانية وكان هو دكتاتورا، لا إشكال ولا وجود لديموقراطي ديني (على اعتبار الدين ضد الاستنارة الاستاندارية) حتى ولو عدل وحكم بمنهج متسق مع قيم الشعب وروح "جمهوريته".
.
حين تحكم الجمهورية بقيم مجتمعها الفوقية (محل الاستئناس والدسترة) لا تسمى وصاية قهرية "حسبة" جهاز العلمانية رقابة للدين وحصرا له في نطاق معين (في القبو، في الخاص، الخاص الخاص وليس الخاص في نطاق العام حتى، مظاهر التدين الشكلية مضمون حين يعبر عنها في العموم) بل يسمى حفظا للادينية الدولة (قيمة وثوقية منافح عنها و"مقاصدية" في فقه الدولة) لكن يعتبر استخدام أداة وصاية لحفظ دينية الدولة خرقا ووصاية كهنوتية كأن تبقي منظومة القوانين العامة والسياسة رافضة لادخال مناف للدين على سبيل التشريع. لو بلغ مواطنو فرنسا المسلمون نصف سكانها سيظل من غير حقوقهم "الكاملة" أن ينشئوا حزبا سياسيا أو يمرر لهم قانون في إطار ذي مرجعية اسلامية لكن سيكون من عدم الديموقراطية والتهميش والمس بحقوق الانسان منع قلة ديومغرافية من ملحدين في بلد عمرالاسلام فيه اضعاف عمر تشكل فكرة العلمانية من سب مقدس لتلك البلاد فذلك دوغمائية ومصادرة للرأي وعدم تعددية.
.
يمكن التصويت على قانون لاديني متمحض التعارض مع الدين في برلمان ذلك البلد ويعتبر ذلك فتحا تقدميا ويستحيل (دستوريا، قانونا إجرائيا، لوائح داخلية تنظيمية، ذائقة نخبوية من النخب نفسها المشجعة للتغيير في البلد الآخر) أن يقدم أصلا مشروع قانون يتعارض مع لادينية الدولة، يستحيل ولا يعد ذلك دوغمائية في الفكر السياسي ولا قدحا في تقبل الآراء ضمن الجمهورية المنفتحة تماما على الاديان ما بقيت في جبها
.
حتى في التفاصيل "الاجرائية" يعتبر، مثلا اجرائيا، من كبائر الخرق التفريق بين رجل وزوجه بسبب حكم معين في النطاق الديني، جريمة نفي للخيارات الشخصية ولا يعتبر خرقا، وفق جوهر اعتقاد (لاديني "مدني" في المصطلح المعوم مفاهيميا) تترجمه الدولة، متمثل في فهم معين منع رجل (حر في خياره، كامل المواطنة) من تزوج راشدتين (حرتين في خيارهما كاملتي المواطنة) بموافقة الثلاثة وطلبهم الرسمي المعبر عنه علنا في الجمهورية - يمكنه تشاركهما في سرير على سبيل العشقية - لأن ذلك يتعارض مع ثوابت الجمهورية العلمانية (الثوابت في الجهة الاخرى وصاية وكهنوت جاهل). له أن يعشق بمذهب الجمهورية لا أن يتزوج بمنهجه الخاص حتى ضمن مقتضيات القانون الاساسية أي حق الافراد في تحديد شكل ارتباطهم، فلو كان مثليا وتزوج مثليا على ذمته مثلي قد دخل واندخل به وبهما لاستقام ذلك). .
ليست مسألة حريات ولا قيم عالمية (عبارة لو جردت من زخم الاعلام وغبار الاستلاب لكانت من اكبر عبوات الزيف القادم من الشمال) وإلا لكان الخط هنا مستقيما بين مجالي التعارض. شفت ذ بالحسانية، هو أحجية العلمانية (القطيعية والواقعية مشروعا ممارسا) واتسوقية القيم العالمية. هذه الاشكالية هي عامل تفسير كرب "التروام" الذي علقت في مخيطه وتاهت في فلكه حركة الحداثة (التقيوية) والصحوات المكروبة بفقه الواقع لدرجة علمنة الدين، في جنوب وشرق المتوسط منذ أزيد من قرن. .
.
أخيرا، في هذه العجالة، إليكم الآتي واحسبوها علي كهانة تحليلية أنا بها زعيم: ستأكل العلمانية (في نواتها تلك) من ضرعها :
- مع تمدد المكون المسلم في الحيز المواطني (والنخبوي النافذ) في غرب اوروبا وما يعنيه من انضغاط في مجال التوفيق بين تكريس الحرية وعدم الوصاية من الدولة (وزعم عدم تمذهبها بفكر تفرضه فهي اصلا هروب من ذلك)، من جهة واستمرار رفض منح حقوق (سياسية وحتى تدينية في النطاق الشخصي) لمن لم يعد اقلية (والتناقض قائم حتى منذ اليوم وهم اقلية لأن المواطن، نظريا، وفق الديباحة الجمهورية، مواطن بغض النظر عن دينه فكيف لا يحق له التعبير عن دينه خارج وصاية الدولة ويجد معنى حقه مترجما في التشريعات وصنع القرار)
- كيف سيستمر تفسير الروح العلمانية بمثاليتها النظرية لاجيال قادمة ضاحرة بالمسكوت عنه في بلاد تعتبر نفسها مهد النطق، وكيف لها تقبل مساواة نظرية في حال المواطنة فيه فئوية التراتبية بتمييز على اساس الدين/اللادين. تأملوا التحول الصيروري من فصل للدين عن الدولة إلى تدين بلادينية الدولة. "تدين" هنا للدلالة على وجود إطار ناظم له ثوابت وثوقية (هي مركز نقد العلمانية للدينية فينواة اختلافهما وهي محل بحثني هنا) وهذا ما يجعل العلمانية، في مضمار التذاكي ذلك، كاللص الذي هرب من عناصر الشرطة ليختبأ في ا"لبوكس "أي بيك-آب الشرطة، وفق النكتة المصراوية المعروفة.
.
على مستوى آخر، لا يقل أهمية، العالَمية: ستكون نقاط التناقض التي اشرت إليها أعلاه دوامة تآكل في نسخة الجنوب (الثقافي وفق الذاتية التنويرية) لجمعها لمتناقضات هي في الواقع تكبير لقياس التناقضات الداخلية في المنشأ (الامم حرة لكنها محل وصاية فكريا، الامم ذات سيادة في تمثل منظومة قيم معينة لكن عليها تطبيق معايير مخالفة على مواطنيها منشأها بيئة ثقافية مخالفة فعليها مثلا استبشاع الحدود لأن مجتمعا لا يرى قيميا الافعال المجرمة بها مؤثمة، وعلى الامم الاخرى "المحترمة حريتها" أن تقبل أن يسب مقدس لديها لأن أمة أخرى لا ترى وجود مقدس، وعليها اعتبار أن لادينيا واحدا مصان الحق لدرجة حقه في سن البرلمان قوانين خاصة به مع أن الأمة الملهم لذلك الحق لا تقبل أن يسن قانون متعارض مع روح علمانيتها هو محل حاجة من مكون ديموغرافي مهم
.
طبعا، لا احتاج التأكيد، على الاقل لمتابعي الصفحة أن كلامي هنا على نواة محدد لمفهوم العلمانية وعلى مجال تشكل للفكر المحمولة عليه أو الحاملة له (القوم بين قائلين بايبقسة العلمانية على الديموقراطية وبيم معتبرين الاولى منبثقة عن تكرس الاخيرة وكل ذلك اتكاليع لوجوه في تمجيد العلمانية). ليس خلطا لمشتركات الفكر في صيرورة المعرفة العلمية المتمحضة (ولا حتى الانسانية رغم مظان الذاتية المشبعة بها في بعض مناحيها) ولا هي (هذه السطور) بخلط للديموقراطية بالعلمانية (التماهي، أو التضاد) ولا بالخالطة المعتبرة للديموقراطية مضادا للدين (ابعيد من ذاك فلقدت ولدت الشورى كمبدأ وتم التفكير في طرق تمثلها وتمثلت وفق سياقها في القرن السابع الميلادي). ليست خلطا للفرد الغربي بالكيان الدولاتي ولا نفيا لارتباط البشرية في المصالح وتثاقفها معرفيا.
.
تلك التفاصيل عاجة بشياطين الكرب واغلب المتعاطين مع الشأن (لا استثني احدا من الطاغية تنظيراتهم من فئة المفكر إلى متفسبك العلمانية هي الحل) لدرجة أن الحديث مع مواطن اوروبي مثقف ولمس ذلك الكرب اليه أسهل من استشعاره لدى وثوقي العلمانية المحلي منذ لحظة الدهشة "هذا أكبر" في محاججة غير ابراهيمية بالمرة فهو عارض لمادة لم يعي كثيرا في تبين سبل اعادة استنباتها.
من صفحة المدون Abdallah Mohamed على فيسبوك