بإنتظار إنطلاق جائزة أبوظبي الكبرى، بات من شبه المؤكد أن يعلن فريق ويليامس، الذي يقع مقره في غروف، رسمياً عن التعاقد مع روبرت كوبيتسا كسائق أساسي إلى جانب جورج راسل، ما يضع حداً للفترة الطويلة التي قضاها البولندي جالساً في قاعة الإنتظار
الحذر يخيّم على الأجواء، فوق سماء مدينة كراكوفي التي يتحدر منها السائق البولندي روبرت كوبيتسا وحتّى فوق سقف حظيرة ويليامس التي قررت عدم تأكيد خبر التعاقد مع هذا السائق، ولكن شاهدنا وشعرنا بالكثير من المعطيات التي تؤكد أن كوبيتسا سينتقل إلى صفوف ويليامس كسائق أساسي العام المقبل (2019) بعدما خاض إمتحان العام الماضي داخل أروقة المنزل الإنكليزي الشهير.
المعطيات أشارت إلى أن الطرفين قررا إلتزام الصمت خوفاً من "رعب اللحظات الأخيرة" وعدم تكرار سيناريو العام الماضي، عندما كانت جميع السهام تشير إلى قرب التعاقد بين ويليامس وكوبيتسا قبل أن يدخل الروسي سيرغي سيروتكين وشركاؤه على الخط. وفي بولندا ضجة كبيرة في الصحافة حول إمكانية عودة "الإبن الضال" إلى المقعد الأساسي، ولكن الجميع كان يخشى من "رصاصة الرحمة" من الجار الروسي... وكما قال الصحافي سيزاري غوتوفسكي "وقع عودة روبرت سيكون ضخماً، ولكن حتّى الآن الكل يترقب ما سيحصل. عشاقه تأملوا خيراً العام الماضي ولكن خاب ظنهم، لذا الجميع ينتظر وكذلك مدير أعماله".
إقرأ أيضاً: ألونسو قبل سباقه الأخير: قرّرت الرحيل عن الفورمولا1 لهذا السبب
وفي وقت حبس البولندي أنفاسه وعاشت بولندا على نبضات قلب كوبيتسا، يتوجب علينا أن نعرف الأسباب الّتي أدت إلى أن تميل كفة كوبيتسا، وهي لا تتعلق فقط بأسباب مالية ومادية: لا شك أن مبلغ الـ 12 أو 15 مليون دولار التي وضعته شركة "ب كيه ن" أورلن "أس آيه" المتخصصة بتكرير البترول وتوزيع الوقود على الطاولة كان له وزنه، علماً أن منافسه على المقعد إستيبان أوكون صارع بدوره مع القدر ذاته من المال، ولكن ما يبدو أنه صبّ في مصلحة البولندي هي الخبرة التقنية الّتي يتمتع بها كوبيتسا داخل وخارج السيارة، إضافة إلى سرعته التي لم تمس بفعل وزن السنين وآثار الحادث الذي تعرض له في رالي "روند دي أندورا" في شباط/ فبراير 2011.
لقد راقب الفائز بجائزة كندا الكبرى 2008 كيفية عمل حظيرة ويليامس، ووضع اصبعه على النقاط القوية والضعيفة في هذا الفريق، وتقرّب كثيراً من كلير ويليامس، مديرة الفريق وإبنة "السير" ويليامس"، ومع مرور الأشهر إنتقل البولندي من صفوف "مجرد" سائق إحتياطي إلى مستشار يستمع له الجميع. حتّى بإمكاننا أن نقول أن الفريق أراد أن يطلع كوبيتسا بدور رسمي في إدارته، ولكن "الشيطان ـ السائق" الذي ما زال في أعماقه منعه من التفكير بالجلوس خلف المكاتب.. فمنذ 7 شباط/ فبراير 2011، وفي اليوم التالي للحادث الذي تعرض له، والذي كاد أن يودي بحياته وترك آثاره على جلده، لم يمر يوم لم يفكر خلاله كوبيتسا بالعودة إلى حلبات "الفئة الملكة".
وبعد 8 أعوام طويلة تزامنت مع فترات طويلة من الشك حول عودته، وبدءاً من عام 2013 حاول خلال 3 أعوام أن ينسى حلبات الفورمولا واحد على مسارات الراليات، حيث توج بطلاً للـ "دبليو آر سي2" خلال عامه الأوّل (على حساب القطري عبدالعزيز الكواري)، فإعتقد الجميع أن مسيرته ستكون مفروشة بالورود ولكنه حصد الحوادث والخروج عن المسار أكثر من رفعه للكؤوس.
إقرأ أيضاً: أهم الحلبات التاريخية التي تخلت عنها الفورمولا1
ورغم كل شيء بقيت الفورمولا واحد محفورة في أعماق قلبه وعقله، في زاوية بمفردها لدرجة أنه لم يتجرأ على التحدث عن الأمر مع أي شخص أو مع محيطه، ولكنه لم يستسلم فكان يستيقظ كل يوم في تمام الساعة الخامسة ويجتاز الكيلومترات على متن دراجته الهوائية... لقد قرر في أعماق نفسه أنه سيمنح روحه وشغفه فرصة أخيرة.
في كانون الثاني/ يناير 2017 جلس خلف مقود آلة المحاكاة وأجرى بعض الإختبارات وبدأت فكرة العودة تدغدغ أحلامه، فوصل إلى مستوى لياقة عالٍ جداً وخسر 12 كيلوغراماً من وزنه، وحينذاك بدأت المحادثات مع رينو وإلتقى بأشخاص ما زالوا يحتفظون بذكريات جميلة عن مروره عام 2010... وهو أمر مستغرب في عالم الفورمولا واحد الذي هو أشبه بعالم لرجال الأعمال وحيث المشاعر لا أهمية لها كثيراً والنسيان هي الصفة الأساسية، ولكنه أيضاً مليء بأناس شغوفين بما يقومون به... وفي 6 حزيران/ يونيو 2017، وبعد 6 أعوام من تجاربه الشتوية الأخيرة حصل على دعوة من رينو لإختبار سيارة "لوتس إي20" طراز عام 2012 على حلبة فالنسيا ريكاردو تورمو الإسبانية حيث قاد للمرة الأخيرة سيارة فورمولا1 في 3 شباط/ فبراير 2011.
"... حتّى في أحلامي الأكثر جنوناً لم أتخيل مثل هذا السيناريو" يقول كوبيتسا ويتابع متذكراً ما حصل معه "أنا عادة شخص يشك كثيراً ولا يقوم بالأشياء إلّا إذا كانت صحيحة 100بالمئة. الآن يسألني البعض لماذا لم أخضع للتجارب في وقت سابق؟ لأني كنت أعرف في قرارة نفسي أني لست مستعداً. لم أكن أريد أن أقود سيارة فورمولا واحد لمجرد التمتع أو إستعادة ذكريات الماضي، بل لأني أردت أن أعود كسائق في الجوائز الكبرى. كنت دائماً أعرف أن الأمر ممكن ولكن لم أكن أملك الضمانات".
الآن بات بإمكانه أن يحصل على الضمانات بعدما خاض تجربة ثانية على حلبة بول ريكار الفرنسية في تموز/ يوليو 2017 وقد دعي لمتابعة التجارب خلال فترة الإختبارات في بودابست في اليوم التالي لجائزة المجر الكبرى... وبينما لم تتمكن رينو من تقديم له أي شيء، دخل فريق ويليامس على الخط، وخلال تجارب إطارات "بيريللي" في أبوظبي بدا أنه سيعود بشكل مؤكد، لحين دخول الشاب الروسي سيروتكين، في اللحظات الأخيرة، إلى الحلبة. وبعد بضع اللفات ومع شيك بقيمة 20 مليون دولار تبخر حلم كوبيتسا الذي حصل على عرض للبقاء كسائق إحتياطي وتجارب، قبل أن يصبح في فترة قصيرة من الأشخاص المسموعين في عائلة ويليامس، الّتي أدركت أن عاداتها وتقاليدها في إدارة الفريق لم تعد تصلح وأنها بحاجة لقائد حقيقي لقيادة ثورتها الثقافية. فكفة السلطة في الفريق تؤكد أن المدير التقني بادي لوو لا يملك "كاريزما" القائد، وأن كوبيتسا بإمكانه أن يصبح القيادي الذي تنتظره حظيرة ويليامس منذ رحيل باتريك هيد وتراجع دور "السير" ويليامس" بسبب قساوة السنين...