![](https://alaviya.info/sites/default/files/13272696571.jpg)
انتقد الشاعر والأكاديمي الموريتاني أدي ولد آدب، اصطفاف بعض الشعراء مع الطغاة وتأجير حناجرهم لكل من يطمع منه أن يدفع، مضيفا أن القليل من شعراء اليوم من نذر نفسه وصوته وحرفه.. للحق المهدور أو للقيم المدمرة.
وقال ولد آدب – في مقابلة خاصة مع الأخبار – إن دور الشاعر أن يحس بالوجود من حوله إحساسا مضاعفا، ودور القصيدة أن تعبر عنه وعن إحساسه بهذا الوجود إيجابا وسلبا "فالمهمة الآن صعبة لأن عولمة القبح والكراهية والموت ،دمرت الجمال والحب والحياة" حسب قوله.
وتحدث ولد آدب في المقابلة عن دور الشعراء في ظل الواقع العربي الراهن، وعن القصيدة العربية في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، بالإضافة إلى العديد من المواضيع الأخرى.
وهذا نص الحوار :
"الشعر الحار" مصطلح بات البعض يفضل إطلاقه على القصيدة الثائرة، إلى أحد استطاع هذا النموذج من الشعر إحداث صداه في الوسط الأدبي؟
منذ أواخر التسعينيات.. كنت كلما سئلت: هل تقول "الشعر الحر"؟ أجيب السائل بأني أقول "الشعر الحار"، إحساسا بأن مشكلة الإبداع الشعري هنا لا ترجع إلى نمط "العمودي"، أو "الحر"، بقدر ما تتأطر ضمن ثنائية: "الحرارة والبرودة"، فأي "شعر بارد" لا ينفعه وصْفه بالعمودية، ولا بالحرية، ولا بالقدم، ولا بالحداثة، وأي "شعر حار"، إبداعيا، لن ينقصه وصفه بأي واحدمن تلك النعوت؛ إذ الحرارة السارية في جميع مكونات النص: معجما، وتركيبا، وتصويرا، وإيقاعا، وبناء...هي علامة الإبداع الفارقة، والعكس صحيح...هكذا بدأت منذ تلك الفترة أبلور رؤية شبه نقدية عن مصطلح "الشعر الحار"،باعتباره أكثر كفاية وصفية من المصطلحات شبه النقدية الرائجة؛ مثل "العمودي"، و" والحر"، وأخواتهما.....
ومن هنا ألفت الانتباه الى أن الحرارة التي أعنيها لا تحتكرها "القصيدة الثائرة"، بمفهومها السياسي الضيق، بل هي جوهر الإبداع " الثائر" على "البرودة" المقيتة عموما.
أما عن رواج "هذا النموذج من الشعر" في الوسط الأدبي، فإن انتشارالنظريات والمصطلحات- عموما- يتناسب -قوة وضعفا- مع سلطة من يطلقها، ومدى جاذبية شخصيته، وما يملك من جمهور ومريدين، وما يسخر له من دعاية إعلامية، ودعوة إيديولوجية، وما دمت أنا لا أملك أي شيء من هذه المقومات الشخصية.. ولا الدعائية...فإن مصلح "الشعر الحار"، الذي تبنيته، ولم أخترعه.. سيكون محدودا.. جدا .. على قدر انتشار إشعاعي الباهت....وفقا لافتقاري للترسانة الإشهارية.. ومقوماتها الاقتصادية، والسياسية، والإيديولوجية......
لكن عزائي الوحيد أن ذاكرة التاريخ.. لن تحتفظ إلا بالإبداع الحار.. الحي.. الجميل.. الخالد.. أما الشكليات.. الميتة,, الباردة.. فمصيرها الحتمي للنسيان.. لأنها كانت مجرد تجريبابتداعي مفتعل، ولم تكن تجربة إبداعية عميقة منفعلة.
ما مسؤولية الشاعر اليوم إزاء الواقع العربي الذي يشهد شرخا عميقا على صعيد السياسة؟
الواقع العربي اليوم.. ربما لم يعرف أسوأ مما يتخبط فيه الآن.. على مختلف الأصعدة، وعلى الصعيد السياسي خصوصا، غير أن مسؤولية الشاعر إزاءه.. تخلف من شاعر لآخر، فبعض الشعراء يؤجر حنجرته.. لكل من يطمع منه أن يدفع.. وحتى لو لم يدفع له فلسا، بعضهم لا يجد غضاضة في الاصطفاف مع الطغاة وحتى مع الشياطين، بعضهم لا مبال؛ يعيش في برجه العاجي، مخدوعا بطوباوية الشاعر الوهمية، أو يردم رأسه في الرمل، ممارسا لعبة النعامة الجبانة.. والقليل منهم -اليوم- من نذر نفسه، وصوته، وحرفه.. للحق المهدور.. للحب المفقود.. للجمال المشوه.. للقيم المدمرة...
أنا شخصيا أرجو أن أكون-وأن أظل- ضمن الفريق الأخير من الشعراء، الذين وضعهم الله بعد "إلا" من سورة الشعراء.. وقد جعلت شعاري:
خُذْ.. أيُّها الإنسان.. شِعْــــري .. إنَّنِــــــــي
- في وجْهِ كلِّ الظُّلْمِ- قدْ أدْمَـــــــنْـتُ :" لا "
أنا صَوْتُ مَنْ لا صَــوْتَ يَصْدَعُ باسْــــمِهِ
آلَــيْتُ لِلْمَلْهُــــــــــوفِ.. أنْ لا أخْــــــــــذِلا
وهناك مجموعات شعرية من دواويني شاهدة بتبني لهذه الرسالة المقدسة منذ نعومة أظفاري، مثل:"تأبط أوراقا"، المنشور بالجزائر2009، و"خرائط الوجع العربي"، و"فلس طين=الدنيا"..
كيف تصف حال القصيدة العربية في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين؟
حقيقة لست مطلعا بالقدر الكافي على واقع القصيدة العربية في هذين العقدين، الذين كانا فترة انشغالي أكاديميا بحقل الأدب الأندلسي دراسة، وتخصصا، ما يعني أن السؤال أكبر من مستواي، وأوسع من دائرة اطلاعي المحدود، غير أني أعتقد جازما أن القصيدة العربية وجدت نفسها خلال هذه الفترة في مفترق طرق صعب، حيث اخترقت مواقع الاتصال والتواصل الاجتماعي حرمة منابر الإبداع، وسلطة التنظير والترويج،فاختلطت الأصوات، واستبيحت الحدود الفاصلة بين المبدع والدعي، والمثقف والجاهل، والعالم والمتعلم، فماعت ألوان المشهد الثقافي عموما، والإبداعي خصوصا، والشعري بصفة أخص... وهكذا لا نكاد الآن نصطاد لآلئ الإبداع، ضمن جبال الزبد الطامي، إلا بصعوبة بالغة.
ماذا عن الشعر في موريتانيا، هل استطاعت القصيدة الموريتانية أن تحافظ على مكانة بلاد المليون شاعر؟
مقولة "بلاد المليون شاعر، مبالغة مجازية، بدون شك" إلا أن الأسطورة لا تنبت من فراغ، فلا بد لها من واقع قابل للأسطرة، وهذا ما تمثله العلاقة الحميمة بين الموريتاني والشعر،قرضا ورواية وتلقيا،فهي التي بهرتْ بعثة مجلة العربي الكويتية 1967 فأطلقت هذه التسمية عنوانا لتقريرها عن البلد، وقد سبق لي أن نشرتُ حول هذه الجدلية مقالا بعنوان: "بلاد المليون شاعر.. أسطورة الواقع، وواقع الأسطورة"
ومهما يكن فإنني أقول دائما إن واقع الشعر الموريتاني الراهن واقع- على علاته-أفضل في نظري منه في ماضيه القريب، حيث أصبحت الأجيال الأخيرة ذات خلفيات ثقافية أكاديمية، باعتبارهم - في الغالب- خريجي جامعات ، مما يوفر لمواهبهم -إن وجدت- سندا معرفيا ترتكز عليه ،إضافة إلى وجودهم الآن في مهب عواصف برامج المسابقات الشعرية.. ذات الرواج الإعلامي، والمناخ التنافسي، المحفز، لكن هذا أيضا لا يعمينا عن ملاحظة أن الشعر الموريتاني اليوم لا تتوفر له الدعاية الإيديولوجية التي كانت تمنح زخمها للشعراء المنضوين تحت ألويتها في السبعينيات وبداية الثمانينات ، يوم كان البعد الثقافي -عموما- عامل تقاطب بين الحركات الفكرية، في المشهد السياسي الموريتاني، وينضاف إلى ذلك عدم مواكبة هذه الحركة الشعرية بحركة نقدية وطنية، تؤطرها بعيدا عن المجاملات أو المهاترات، وكذلك غياب سياسة ثقافيةتعتمد التخطيط العقلاني والعلمي، في مقاربة الحقل الثقافي عموما، والأدبي خصوصا، باعتبار هذا الحقل واحدا من أهم حقول التنمية، المفترض أن تخطط لها الدولة، لأن أي أمة تبتغي التقدم بدون تخطيط ثقافي، هي أمة تخبط خبط عشواء، مآل مسارها إلى درك المهاوي السحيقة ،لا قدر الله . فما بالك بحقبة ترى فيها الدولة- رسميا- أن الشعر والأدب والعلوم الإنسانية عموما هي سر تخلفها؟!
هل يهدد الشعرُ الحديثُ القصيدة التقليدية بقالبها القائم على قواعد العروض، أم أن الأخيرة ستظل قادرة على الصمود وهي تحمل هموم وأحاسيس الشاعر؟
الشعر الحديث، والشعر الحر، والشعر العمودي.... مصطلحات لا تتمتع بالكفاية الوصفية الدقيقة؛ فهي مجرد إطلاقات إعلامية متسرعة، هشة في معترك المناقشة العلمية، ومائعة في منطق النقد الحصيف؛ فالشعرية أعمق وأكبر من أن يحتكرها واحد من هذه التسميات الهلامية...وقواعد العروض، وقيوده، لا تمنع الإبداع، والتحرر والتحلل منها لا يمنح الإبداع... وبناء على ذلك فإن الشعر-إذا تحقق- يمكن أن يتقمص كل الأنماط القديمة والحديثة، إذ القدم والحداثة الفنيان، لا يتناسبان طرديا مع القدم والحداثة الزمنيين، فقد يكون القديم زمنيا حديثا فنيا، والحديث زمنيا، قديم فنيا...
أي دور يراه الأديب د.أدي ولد آدب للشاعر والقصيدة؟
دور الشاعر أن يحس بالوجود من حوله إحساسا مضاعفا، ودور القصيدة أن تعبر عنه وعن إحساسه بهذا الوجود إيجابا وسلبا... المهمة الآن صعبة لأن عولمة القبح والكراهية والموت ،دمرت الجمال والحب والحياة.
ومع ذلك سأظل أصرخ في وجه هذا العصر الأسود:
سَلامٌعَلَىالحُبِّ..
يَوْمَتَشَحَّطَ.. مِلْءَدِمَاهُ .. قَتِيلاً..
عَلَىيَدِعَصْرِالكَرَاهَةِ
غَازيالبَرَايَا!!
سَلامٌعَلَىالشِّعْرِ..
يَوْمَغَدَاالدَّمُحِبْرًاً..
وَصَارَتْدَوَاةُالكِتَابَةِجُمْجُمَةً..
والأمَانِيمَنَايَا!
سَلاَمً .. عَلَيْكَ..جَمَالَالوُجُودِ..
تَدَنَّسْتَ.. بِالقُبْحِ..
يَغْزُوجَمِيعَالمَرَايَا!
سَلاَمٌ .. علىالحُبِّ.. والشِّعْرِ.. والحُسْنِ..
إِنِّي - لِهَذِيالثَّلاثَةِ - سَوْفَأَظَلُّ..
أُغَنِّي ..
أغَنِّي ..
أُغَنِّي
ولَوْوَأَدُواالصَّوْتَ..خَنْقًا..
لأِّنِّي ..أرَىالكَوْنَ - دُونَالثَّلاثَةِ-
أعْمَىالنَّوِايَا!